محمد رفيع حسين معرفي
1909 -1976 م
ولد في حي معرفي سنة 1909 م وكان والده آنذاك يملك سبع
سفن شراعية كانت تعمل بين الكويت والبصرة والهند بغرض التجارة
ونقل البضائع والأفراد .. وكان والده يداين عدداً من تجار
الكويت بديون كبيرة .. غير أن محمد رفيع وإخوانه رفضوا مبدأ
المطالبة بديون والدهم من التجار فالله هو المستعان ، وكانت
التجارة تجري في عروق محمد رفيع معرفي منذ الصغر .. ففي
الرابعة عشرة من عمره ركب البحر متجهاً إلى الهند برأسمال
لايتجاوز 200 روبية وكان يمكث فيها فترات طويلة حيث التجارة
والثقافة .. فينتقل من الهند إلى الكويت حاملاً معه صناديق
خشبية تحتوي على أجزاء متفرقة من الدراجات الهوائية فيتم
تركيبها بالكويت ، حيث قام بتدريب مجموعة من شباب الكويت على
تركيب هذه الدراجات الهوائية ، و كانت أجرة الدراجة الواحدة
منها طوال اليوم نصف روبية وعندما اتسعت تجارته قام بتصدير
الدراجات الهوائية مباشرة من الهند إلى البصرة .
ثم اتجه إلى تجارة طباخات الكيروسين التي بدأ يستخدمها
الكويتيون ، فكان محمد رفيع يجلب تلك الطباخات مفككة من عبادان
بهدف توفير قيمة الشحن وتشغيل العمالة الكويتيية والتي كانت
متوفرة ؛ وفي الهند تعرف محمد رفيع على بعض أصحاب وكالات
الساعات الذين أرشدوه إلى مراسلة الشركات السويسرية ..
بالإضافة إلى إرشاده إلى استيراد الدواء من الولايات المتحدة
الأميركية وخاصة دواء العين الذي كان مشهوراَ في معالجة داء
العين المنتشر في تلك الفترة .
بدأت رحلته الدراسية كغيره من أبناء وطنه في زمانه حيث
المدارس الأهلية (الكتاتيب) فأمضى بعض الوقت في المدرسة
المباركية ثم دخل معترك الحياة وتكونت لديه خبرة سياسية من
خلال متابعة الأحداث التي تعصف بالمنطقة .. وكان لزياراته
الكثيرة وأسفاره الدائمة إلى البصرة وبغداد والهند وعمان كبير
الأثر في اكتساب الخبرات وتكوين العلاقات .. ففي البصرة كان
يحضر ديوان النقيب المعروف برواده الكبار من السياسيين
والمثقفين والعلماء مما أكسبه نضجاً واسعاً ، ومن أصدقائه
المخلصين محمد الأحمد الصباح . ومن أصدقائه أيام تواجده في
الهند آل الإبراهيم ، والبحر ، والمرزوق ، والغانم ، وسالم ،
وفهد السديراوي .. فكل هذه العلاقات كونت لديه الحس السياسي .
يُذكر أنه عندما وقعت أحداث المجلس سنة 1938 م ذهب محمد
رفيع إلى القنصل البريطاني آنذاك في وضح النهار وأمام أعين
الكبار وبدون تردد .. قائلاً له : عليكم أن تتدخلوا لحل هذه
المشكلة ، التي ستؤثر على مستقبل هذه المحمية من الأطماع التي
مازالت حولنا ، فتعجب القنصل من هذا الكلام الذي خرج من شاب في
مثل عمره الذي لايتجاوز 29 عاما .. فسأله القنصل : ألا يوجد
رجل أكبر منك سناً يخبرني بهذا القول ؟ ، فأجابه : لا. فلا
يوجد من هو أجرأ مني بالحديث عن هذا الموضوع .
هذا ويُذكر أن محمد رفيع كان من مؤسسي الحركة الرياضية في
الكويت ، فقد تعلم كرة القدم بالهند مع أصدقائه الذين كانوا
يعملون معه في مجال التجارة في تلك الفترة ومنهم ( حمد صالح
الحميضي – أحمد زيد سرحان – محمد عبدالمحسن الخرافي – أحمد
الرزوقي وسالم فهد السديراوي وغيرهم الكثير ممن مارسوا التجارة
بين الكويت والهند ... فقام محمد رفيع بتأسيس
أول فريق كويتي لكرة القدم سنة 1931 م ، وكانت أول مبارة
لكرة القدم أمام جمهور الكويت المنبهر سنة 1932 م .
المجلس التأسيسي :
أصدر سمو الأمير المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح
مرسوماً بتاريخ 30 ديسمبر 1961 م لدعوة الناخبين لانتخاب
المجلس التأسيسي ، والذي أوكلت إليه مهمة صعبة وهي وضع دستور
لدولة الكويت ليؤكد الحكم ، ويحمي البلاد ويرعى العدالة
الاجتماعية مع الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره .
ويأتي هذا المجلس وهو الأول من نوعه بعد استقلال الكويت ؛
ليمارس الشعب الكويتي فيه الحياة النيابية بالانتخاب الحر
المباشر .. ويقول كلمته باختيار ممثليه .
لقد رُشح محمد رفيع معرفي للمجلس التأسيسي وقد كانت
مشاركة منه في إرساء قواعد الديمقراطية في الكويت ، وأراد من
ذلك أن يرتفع شـأن بلاده وأن يشد من أزرها ويشيع صيتها ..
فالكويت أحق أن تنال بين الدول هذه المكانة التي تليق بها ..
رشح نفسه عن دائرته الأولى الشرق ، فنال شرف الفوز مع
زميله الآخر المرشح بنفس الدائرة وهو منصور موسى المزيدي ،
وكانت الدوائر الانتخابية في ذلك الوقت عشراً وهي : الشرق –
القبلة – الشويخ – الشامية – كيفان – القادسية – الدسمة-
السالمية والأحمدي والجهراء ، فعلى كل دائرة انتخاب اثنين من
المرشحين ليكون عدد النواب الإجمالي للمجلس التأسيسي 20 نائباً
بالإضافة إلى عدد الوزراء بحكم وظائفهم .
وفي 20 يناير 1962 م صدر المرسوم الأميري رقم (1) لسنة
1962 م بدعوة المجلس التأسيسي إلى عقد جلسته الأولى .
ومن الذين حضروا الجلسة ( أحمد خالد الفوزان ، د. أحمد
عبد الخطيب ، عبد اللطيف ثنيان الغانم ، الشيخ جابر الأحمد ،
محمد رفيع حسين معرفي ، عبدالعزيز حمد الصقر) .
مساهمته في المجلس التأسيسي :
كانت مناقشاته واقتراحاته فيما يتعلق بدستور دولة الكويت
تصب كلها في مصلحة الوطن والشعب ، فكان صديقاً للجميع لايضمر
لأحد حقداً أو كراهية .. صادق الوعد .. أميناً في عمله ، وكان
حريصاً على وحدة الصف ، ودائماً يحث اخوانه من النواب بالقول :
" لقد أوكلت إلينا مهمة صعبة ألا وهي دستور البلاد الذي
سيحقق للوطن مكانته وقوته وللشعب الكويتي كرامته وحريته
ومساواة أفراده في الحقوق والواجبات .. فعلينا جميعاً أن نكون
عند هذه المسئولية الملقاة على عاتقنا جميعاً "
.
علاقة الدستور بالسور الرابع :
يروي لنا أحد أولاده حادثة قائلاً : أنه عندما صَوَّت
أعضاء المجلس التأسيسي على دستور دولة الكويت وكان ذلك في أحد
أيام شهر نوفمبر 1962 م وعندما عاد الوالد إلى المنزل بعد
التصويت كانت علامات الفرح والابتسامة بادية على وجهه ..
وفاجأنا بقوله : " اليوم يا أبنائي انتهينا من بناء سور
الكويت الرابع " وقد كان البعض منا صغاراً لايعرف أن للكويت
أربعة أسوار ، فالأول تم بناؤه عام (1762 م) في عهد الشيخ
عبدالله الأول ، والثاني تم بناؤه في عام (1814 م) في عهد
الشيخ جابر بن عبدالله ، أما السور الثالث فقد تم بناؤه في
أعقاب معركة حمض عام 1921 م في عهد الشيخ سالم المبارك الصباح
.
وقال والدي : " إن هذا الذي تم إنجازه اليوم وهو الدستور
الذي يحمل الشرعية والدرع الواقي لأهل الكويت جميعاً كالسور
الرابع الذي يصد أعداءه بكل قوة وعزيمة وتحد" .
فهكذا وصف محمد رفيع معرفي الدستور مما يدل على حبه لهذا
الوطن والسعي الدؤوب لإسعاده وتقدمه في ظل سلطة شرعية متمثلة
بسمو أمير البلاد المفدى وسمو ولي عهده الأمين والأسرة الحاكمة
التي يحبها ويحترمها كل أفراد الشعب الكويتي .. تلك الأسرة
التي حضنت شعبها بكل حنان ولطف .. ووفرت لهم الأمن والأمان
والاستقرار بعيداً عن المشاكل .
شخصيته وأعماله الخيرية :
تميزت شخصية محمد رفيع معرفي بالحب والعطف والعطاء وتقديم
المساعدة للمحتاجين والفقراء فيقدم تلك الصدقات.. ويحتفظ
لنفسه بعدم الإعلان عنها فلا يعلن عنها لأحد .. وكان يعتبرها
صدقة لاينتظرمنها مردودا .. فيعتبر هذه الصدقة سراً لايجوز
البوح عنه لأحد .. ولكن لكثرة أعماله الخيرية وانتشارها على
المدى القريب في الدولة والدول المجاورة فقد أفصح الكثيرون عما
أخفاه هو من عطاياه وهباته .
ومن أعماله الخيرية في البصرة عندما كان الشعب العراقي
بحاجة إلى المزيد من الرعاية الصحية .. فقد أنشأ مستشفى في
البصرة متخصصاً بالولادة ورعاية الأطفال في عام 1952 م وقد
أطلق عليه الشعب اسم " مستشفى معرفي ولايزال يعمل حتى الآن
ويعرف باسم " المستشفى الجمهوري" حالياً .
وتجدر الإشارة إلى ذكر حادثة وقعت يرويها أحد أبناء
المرحوم .. وهي : عندما حدث إنقلاب على عبدالكريم قاسم عام
1968 م حيث كان محمد رفيع في البصرة للإشراف على توسعة
المستشفى المذكور فأصيب بمرض مما اضطره للمغادرة إلى الكويت ؛
وعندما وصل إلى صفوان – مركز الحدود بين العراق والكويت – كان
الطريق مغلقاً بسبب الانقلاب فاتصل آمر المركز بمحافظ البصرة
وأخبره بأن محمد رفيع يريد المغادرة إلى الكويت فأمره المحافظ
بفتح الطريق أمام محمد رفيع للعودة إلى الكويت إلا أنه رفض
بشدة .. فكيف يخرج وطابور من الكويتيين وعدده يزيد عن 300 شخص
يرغبون بالعودة إلى وطنهم والطريق مغلق أمامهم .
وعندما أخبر محمد رفيع بأنه لن يخرج إلا مع هؤلاء
الكويتيين فَهُم أهل ديرته .. وهنا أجرى الآمر اتصالاته مرة
أخرى بالمحافظ حيث سمح لهم جميعاً بالمغادرة ، فهذه هي شهامة
رجال الكويت الأبطال .
ومن شيم محمد رفيع أنه يأبى الظلم والاعتداء على حقوقه
والمساس بكرامته فهو رجل ذو كرامة ومروءة ففي أحد الأيام نشب
خلاف بينه وبين أحد الأشخاص الكويتيين مما أدى إلى اللجوء
للمحكمة وهذه الشخصية كانت أثناء المحاكمة جالسة على المقعد ..
أما محمد رفيع فكان واقفاً نظراً لعدم وجود مقاعد أخرى .. وقبل
المحاكمة .. سأل محمد رفيع القاضي : هل من العدل أن تجري
المحاكمة والخصم جالس وأنا واقف ؟؟ علماً بأن هذا يخالف العرف
.. فأمر القاضي المدعي عليه بالوقوف وحكم للمرحوم بحقه بما
طالب في دعوته .
وفي رواية أخرى .. أراد رجل إشعال نار الفتنة بين أهل
الكويت حول المدرسة الوطنية الجعفرية فاتجه محمد رفيع إلى
الشيخ عبدالله السالم ، وأبلغه بما حصل خاصة وأنه لم يحدث
أبداً في تاريخ الكويت مثل هذا الحدث المزعج منذ عهد صباح
الأول ، كما أنه لم يكن يتوقع أن يحدث ذلك في عهد عبدالله
السالم ، فوقف الشيخ عبدالله السالم بكل حكمة وقوة أمام ذلك
الشخص وأعلن أنه لن يسمح لأحد بأن يلعب بالنار وانتهت المشكلة
فوراً عندما تدخل الشيخ فهذا يدل حقاً على عدل وحكمة الشيخ
وفطنة محمد رفيع .
السمعة الطيبة والأمانة
ومن الأحداث المشهودة لمحمد رفيع والتي تشير إلى أمانته
وإخلاصه.. يذكر أنه في الأربعينات من هذا القرن أراد تاجر
يهوديٌ من أهالي البصرة أن يبعث ابنتيه إلى الهند عن طريق
البحر للدراسة هناك ، وقد سمع من أصحابه بوجود تاجر كويتي أمين
ومحافظ ومتدين يرغب بالسفر إلى الهند قريباً عن طريق إحدى
البواخر الإنجليزية .
فتعرف ذلك التاجر اليهودي على محمد رفيع عن طريق أصحابه
التجار ، وطلب منه توصيل ابنتيه إلى أهلهما في الهند .. وقد
فعل محمد رفيع واصطحب الفتاتين معه وأشرف عليهما خلال رحلة
السفر .. وعند وصول الباخرة إلى الهند سلمهما إلى ذويهما بأمان
وسلام ؛ وكان قد عرف عن محمد رفيع الجرأة في الحق والحفاظ على
الأمانة .
النصح والإرشاد :
كان محمد رفيع بمثابة عون لأصدقائه في النصح والإرشاد ..
فيذكر أن صديقاً له أراد أن يشتري عقاراً من أحد مالكي العقار
غير أن مالك العقار . قال : لصديق محمد رفيع بأن هذا العقار
مطلوب أيضاً من شخص آخر عزيز عليه .. وبذلك من الأفضل حضورك
إلى المكتب لتتواجد أنت والشخص الذي يريد شراء العقار ولإجراء
مساومة على العقار وبذلك يحصل عليه من يقدم أفضل سعر .
عندما ذهب ذلك الصديق إلى محمد رفيع ليستشيره ويأخذ بنصحه
وأبلغه بما حصل ونتيجة لخبرة محمد رفيع وفطنته .. أخبر صديقه
بأن " الشخص الذي يدعي بأنه يريد شراء العقار لايملك المال
وأنه يعرفه جيداً فهو صاحب مالك العقار منذ الطفولة ، ولو كان
يملك بعض المال لباعه .. ولابد أن هناك حيلة يريدون أن يحتالوا
بها عليك ، فاذهب على بركة الله واطلب العقار بالسعر الذي تراه
مناسباً حسب سعرالسوق حالياً ولاتزد عن سعرك أبداُ ليتبين لك
الحق ثم اترك صديق مالك العقار يقوم بالمزايدة الأولي وعندما
يحدث ذلك قل له : إنك تستحق هذا العقار لأنك طلبته قبلي من
قِبل مالك العقار" .
وحدث ما كان متوقعاً .. حيث الشرط الأساسي لبيع العقار أن
يقوم الشخص الذي سيشتريه العقار بتقديم شيك بقيمة 50% من سعر
العقار، فلم يستطع أن يحرر الشيك واعترف بتلك الحيلة .. وأن
صديقه وهو مالك العقار قد ورطه في هذا .. وانتشر الخبر في
السوق .
المطالبة بمنع الخمور في الكويت :
كانت تجارة الخمور مسموحة في أدنى الحالات وخصوصاً للطوائف
غير المسلمة بواسطة كبيرة كريمكنزي .. وازدادت تجارة الخمرة
بشكل واضح وواسع ، وقد كتب كل من محمد رفيع حسين معرفي ،
عبدالله العلي ، عبدالوهاب وأحمد بزيع الياسين ، وعبدالعزيز
عبدالمحسن الراشد وغيرهم من رجالات الكويت كتبوا عريضة تطالب
الحكومة والشعب بمنع تجارة الخمور منعاً باتاً .
اقتراح بإيجاد مجلس للأعيان سنة 1963 م :
أول من اقترح إيجاد مجلس للأعيان هو محمد رفيع وقد كتب
عريضة بهذا الموضوع وشارك في صياغتها كل من عبدالعزيز العلي
الوزان – محمد يوسف النصف - عبدالعزيز سعود الراشد – عبدالعزيز
يوسف المزيني بالإضافة إلى مجموعة من أهل الكويت .. وقدم هذا
الاقتراح إلى أمير البلاد الشيخ عبدالله السالم الصباح .
|