عباس محمد رفيع معرفي

1947 - 2009

 

 

 

هو الدكتور عباس محمد رفيع معرفي ولد في 17/3/1947م نشأ في أسرة رفيعة القدر ، يشار إليها بالبنان في المجتمع الكويتي ، أسرة عرفت بالتقوى والصلاح وحب الخير والاعتدال ، وعندما ينشأ شاب في أسرة كهذه فإنه لا شك آخذ من صفاتها وخصالها وتوجهاتها الكثير ، ولعله من المناسب أن نذكر أنه اكتسب من والده رحمة الله عليه أن تكون له علاقات وطيدة مع مجتمعه ، كما اكتسب منه الجرأة في الحديث والطرح منذ حداثة سنه أمام الكبار مما أتاح له أن يوطد مجموعة كبيرة من الصداقات وعلى كل المستويات بالمجتمع الكويتي والعالم .

 

        أما عن علاقاته على المستوى العلمي فقد كانت أيضا كبيرة جدا ، يؤيد قولنا هذا تلك الأعداد الجمة الغفيرة من الطلاب الذين تلقوا على يديه العلم في الكليات التابعة لجامعة الكويت ، ممن يذكرون له إلى اليوم دوره المُميز في تعليمهم ، حيث انعكس ذلك في تجمعهم يوم وفاته بأعداد كبيرة وقد امتلأت قلوبهم بالحزن والألم لوفاته مما يعد اعترافاً كاملا بفضله وتقديرا عظيما لدوره في مجال العلم .

 

        وبرغم حياته الحافلة بالدراسات والأبحاث العلمية ، فإن ذلك كله لم يمنعه من التواصل مع ما درجت عليه الأسرة من الاشتغال الجاد بأعمال الخير ، لا في داخل الكويت فقط بل في خارجها   أيضا ، إذ امتد نشاطه في الخير والمعاملات الإنسانية إلى معظم دول آسيا وأفريقيا ، وهذه الأعمال شارك في أدائها مع جمع من أفراد أسرته وأصدقائه ، ولعلنا لا نستطيع حصر عدد المدارس التي شيدت في العالم ، وكذلك المستشفيات والمستوصفات والمساجد مما لا يتسع المجال لحصره الآن .

 

        لقد كان - رحمه الله - محبا للحياة يتواصل مع أفراد أسرته ويصل الرحم ويحب طلابه وزملاءه من الأساتذة ، كما كان ميالا لغرس النخيل في مزرعته الخاصة في الوفرة وكان يخص شجرة النخيل بحب من نوع آخر، وقد اهدى جامعة الكويت 500 نخلة في موقعها الجديد بالشدادية .

 

 

مشواره العلمي

وأما عن مشواره العلمي في الكويت ، فإن والديه - رحمهما الله ، وبالذات والدته التي لم تشأ أن يكون تعليمه قاصرا على ما تلقنه المدارس في الكويت  اضافة الى طموحه الشخصي الذي كان يدفعه كي يفوق اقرانه كل ذلك كان دافعا له لنيل اعلى الشهادات ، وكان لخاله المرحوم محمد تقي صالح معرفي كذلك دور في تشجيعه على متابعة الدراسات العليا ، وان ما حظي به من تعليم خارج  الوطن ، وما ناله من شهادات عليا من ارقى الجامعات جعله من أكثر أفراد الأسرة علما ، يعزز ذلك حصوله على درجة البكالوريوس في الهندسة النووية من جامعة كاليفورنيا في يونيو 1973م ، ثم حصوله على درجة الماجستير العلمية في مجال الهندسة النووية من  جامعة واشنطن في يوليو 1975م ثم درجة الدكتوراه في مجال الهندسة الميكانيكية من جامعة ليفربول في ديسمبر 1978م .

 

        وهكذا نال المغفور له بإذن الله تعالى كل هذه الشهادات خارج الكويت وفي جامعات مرموقة يحلم بارتيادها أو الالتحاق بها طلاب العلم على مستوى العالم كله ، ولا عجب بعد كل هذه الدراسات المتعمقة والبحوث الجادة في فرع هام من فروع العلم التطبيقي الحديث من أن يحصل على لقب الأستاذ بعد أن تخصص في الهندسة الميكانيكية ، ولعله أول كويتي يتجه هذا الاتجاه العلمي البحت .

 

أما مجالات البحث التي شغل بها حياته ، وكأنه أقسم أن يهب هذه الحياة للعلم النافع بكل ما تعنيه هذه العبارة ، بل بكل ما تتطلبه من مشقة ونصب ، أقول : كانت مجالات بحثه في الطاقة الشمسية ، وهو المجال الذي نحن في أشد الحاجة إليه في ظل نفط مقبل على النضوب طال الوقت أم قصر ، إذ لا بد من البحث عن مجالات أخرى لتوفير الطاقة ، وهو أمل ما زال يراود العلماء في كل بقاع الأرض ، ولما كان عالمنا العربي ، وقد حباه الله بتنور لا ينقطع لهيبه من شمس أشعتها حارقة ، فإن هذا المصدر الهام من مصادر الطاقة لا ينضب معينه في بلادنا العربية ، وخاصة في منطقة الخليج ، فهو رافد لا ينقطع ، وطاقة لا تمتنع ، عطاؤها قائم ، وسخاؤها دائم ، لذا كانت مجالات بحثه - رحمة الله عليه - في الطاقة الشمسية خدمة لوطنه الكويت ثم لعالمنا العربي كله ، ولا ننسى أبدا أن تباشير النتائج لتلك الأبحاث قد بدأت تؤتي أكلها ، فقد ظهرت في عالمنا العربي وحدات إنتاجية تعمل بالطاقة الشمسية ، من مثل سخانات المياه وبعض أجهزة التبريد وغير ذلك ، فإذا ما أضفنا إلى أبحاثه السابقة ابحاثا أخرى في إدارة الطاقة ، والتحويل الحراري عرفنا أنه كان يوجه أبحاثه النظرية إلى ما ينفع الناس ، أي لكي يستفاد من تلك الأبحاث النظرية في التطبيقات التكنولوجية بحيث نراها بأعينناونلمسها بحواسنا متمثلة في تلك الآلات التي يستخدمها الناس في حل مشكلات حياتهم وهذه  كما نعلم من أهم أهداف العلم التطبيقي.

 

        وقد أتاحت له دراساته التخصصية وأبحاثه المختلفة أن يتولى في جامعة الكويت مناصب عالية ورفيعة كما أتاحت  فرصا ثمينة لأعداد غفيرة من طلابه ومريديه والمتعلمين على يديه أن ينهلوا من علمه الغزير ، ومعرفته الواسعة ، وأن يفيدوا من دراساته وأبحاثه المتميزة ، ولقد شاهدنا ذلك بأم أعيننا يوم وفاته - رحمه الله - إذ احتشد تلاميذه وإخوانه ومحبوه يذرفون الدمع السخي ، ويبكونه بكاءً حارا ، ولا غرو فقد افتقدوا بفقده أستاذا آثر العطاء ، ومعلما أبلى فأحسن البلاء ، وعلما من أعلام الفكر العلمي لا في جامعة الكويت وحدها بل على مستوى عالمنا العربي كله ، ففي مارس سنة 1979م صار المغفور له بإذن الله عباس محمد رفيع معرفي أستاذا مساعدا في كلية الهندسة والبترول  بجامعة الكويت ، وفي عام 1984م تولى منصب أستاذ (مشارك) وفي مايو/ديسمبر 1992م تولى منصب أستاذ في الجامعة ، كما تولى الدكتور عباس مناصب متعددة ، منها منصب نائب مدير الجامعة ، ومنصب العميد لكلية الهندسة والبترول ،  ورئيس قسم الهندسة الميكانيكية ، هذا فضلا عن نشاطات تخصصية عديدة فقد حضر مؤتمرات متنوعة في مجال التحويل الحراري وخلية الوقود ، وإدارة الطاقة ، وتعليم الهندسة ، في أمريكا وإيطاليا وهولندا ، كما كان عضواً في مجلس الأمناء في معهد الكويت للأبحاث العلمية ، وعضواً في لجنة الحماية من الإشعاع التابعة لوزارة الصحة العامة ، وعضواً في لجنة التقنية لمؤتمر العرب الدولي الثاني للطاقة الشمسية كما لعب دورا مميزا في مجالات مختلفة من خلال نشاطاته  التخصصية فقد كان عضوا في لجنة الطاقة والمصادر الطبيعية في اتحاد المجالس العربية للبحوث العلمية ، وكان عضوا في لجنة التخطيط والبحوث  في لجنة حماية البيئة ، وشغل ايضا رئيس مجلس ادارة التوجيه في مؤتمر العرب الدولي الأول للطاقة الشمسية ، وكان عضوا في اللجنة العامة لتوحيد رموز التدريب بوزارة النفط بدولة الكويت ، وكان عضوا مؤسسا بجامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا ، ورئيس جمعية تطوير الخدمات الصحية ، كما شغل منصب عضو مجلس ادارة في العديد من الشركات وجمعيات النفع العام منها : شركة اياس التعليمية  ، الشركة الوطنية للخدمات البترولية ، شركة وارة العقارية ، مجموعة معرفي الهندسية ،  جمعية السكر الكويتية، والعديد من الأماكن .

 

  

وقد امتاز رحمه الله بعلاقاته الطيبة والوطيدة  مع رجالات الدولة ومن هم في منصب القيادة وارثا تلك الصفات من والده رحمه الله  فقد كان محط انظار الجميع لما عرف به من علم وجرأة وطيبة وحكمة.

 

اما عن مواقفه الإنسانية وأعماله الخيرية فلا تعد ولا تحصى فقد قدم العديد من مشاريع الخير داخل وخارج الكويت  ، وخاصة في الدول الفقيرة مثل آسيا وأفريقيا ، كما كان فاعلا وايجابيا اثناء الغزو الغاشم على الكويت ، فقد كان يقوم بتوصيل المساعدات المالية والعينية الى العديد من الأسر من مختلف الأعراق والأجناس .

 

رحمك الله يا ابا طلال ، واسكنك فسيح جناته ، فقد رحلت الى دنيا الخلود ، وتركت الأمة تبكيك وتفتقدك ،ولكنك ستبقى خالدا في قلوب محبيك ، وعارفي فضلك  .

 

 

 
     
 

جميع الحقوق محفوظة لـ ديوان آل معرفي 2008